يوليو 25, 2012
نحن وقدر الدكتاتورية
أبرز عوامل استدامة الدكتاتورية في مجتمعاتنا تكمن حسب وجهة نظري ووجهة نظري الخاصة جدا في الثقافة العربية الإسلامية المنبثقة أساسا من خلفية قوامها تراكم الفهم السيئ للدين الذي يتأسس أصلا على مبدأ ضرورة إقرار طاعة المخلوق للخالق تلك الطاعة التي سرعان ما تٌختصر في سمتها الفوقية وتسقط على طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وطاعة أولي الأمر في الدين مرجع الكثيرين ومطوّع سلوكهم ومصدر استقالتهم وخنوعهم.
التقاء فكرة الطاعة برسوخ الجهل الدفين وفوقية الخطاب الديني حتى وإن أٌخرج من مقوم مشروعيته المستمد من الكفاءة والتمكن والعلم ليصبح خطاب نفاق تلوكه ألسنة زنادقة الحكام وتُكسبهم به صفات الورع والتقوى والاستقامة وتُعطيهم شرعية توجيه النصح والنصيحة ويذهب بعضهم لأبعد من ذلك حين يتلقبون في بعض الأحيان بأمراء المؤمنين أو حماة الحما والدّين، كلها عوامل تجعل من المجتمعات العربية والإسلامية مجتمعات مستقيلة من ممارسة شأنها العام، إتكالية رامية أحمال عبء إدارتها وتسيير شأنها على كل من يرث أو يغتصب مواقع الريادة والتسيير خانعة لحد أن تصبح في كثير من الأحيان أداة الدكتاتورية الفعالة في ترسيخ استدامة حكم الحكام.
قد لا يستسيغ الكثيرون مثل قراءة وصف الوضع هذه ويتحججون بأنها تتناقض مع “ثورات الربيع العربي” في ظل ما يٌزقٌّون به من أعراس الثورة وأناشيدها والتمجيد على غرار ما كان عليه حال حكم الرؤساء المطاح بهم في الأمس القريب وذلك بنفس الأساليب والأدوات على كل صفحات الجرائد والمنابر وفي كل الشاشات إلى حين النفاذ لفكرة أن كل الأحداث التي شهدتها مجتمعاتنا العربية والإسلامية مند شتاء 2011 وحتى الآن لا تعدو كونها بلوغ أنظمة الظلم والفساد والجور والتسلط مداها بعد أن أساءت على مرّ العقود المتتالية إدارة وتسيير الدول التي ورثتها هذه الشعوب عن الحقبة الاستعمارية وأفضى كل ذلك لما نحن فيه من فوضى عارمة فيها يختلط حابل الثوار بنابل الانتهازيين وعَوار هواة السياسة والدين كل ذلك تحت ركام الدول الذي تتيه فيه الشعوب وتتعلّق بكل قشة وعود ولو أعوج لا يستقيم.
هذه القراءة تستند لمنهج قوامه الفطنة والنقد بموجبه يمكن تفسير الحيرة في أن يكون المحرومون والفقراء والعاطلون والمعطلون عن العمل هم وقود ومحرّك كل ما حصل ودافعوا أثمانه دماء أو مآسي في الوقت الذي يتأكد يوما بعد يوم أن كل المستفيدين من العملية برمتها سياسيون أو متسيسون برزوا من تحت كومة ركام الصراع البارد على السلطة طوال عقود الاستبداد ولم يكن أي منهم وبأي شهادة أو ادعاء في الصفوف الأمامية لا بصفته فاعلا أو بصفة الاحتضان أو التأطير بل إن معظم قادتهم والقواعد كانوا في إحراج كبير خوفا من ردّة فعل خبروها جيدا لدى الأنظمة من أساليب القمع والشماتة والتنكيل المخيفة.
كما تستند كذلك على مجريات الأحداث إن من حيث بوان عور الأنظمة التي أفرزتها كل الاستحقاقات الانتخابية وعجزها البيّن عن الاستجابة لسقف التطلعات المرتفع الذي حددته لغة الثورة والثورية أو من حيث تردد الشعوب في تثمين الخطاب الثوري والتعبير ضمنيا ودلالة عن عدم ثقتها في الثوريين وأهليتهم من حيث المبدأ وما حدث في مصر دليل صارخ على ذلك. فرغم أن الثورة وخطابها في كل قلب وعلى كل لسان لم تتح صناديق الاقتراع من خيار غير إعادة قولبة النظام السابق بعيبيه السياسي والعسكري (أحمد شفيق) أو الارتهان لهواية الخطاب الديني الحالم وحماسيته وما بها من مخاطر على المصالح النسبية للدولة وللمجتمع (محمد مرسي والإخوان). أي التخيير بين سيء دكتاتورية مجربة مداخن دمارها مازالت قاذفة وسيء دكتاتورية يغني عنوانها والتاريخ عن الثقة في أهليتها لما تتطلع للإقناع بقدرتها على أدائه(ظلامية الفكر الديني).
وما استحضار درامية كل ما جرى ويجري في ليبيا من ضبابية وانفلات إلا مبعثا على الشك في ما إذا كان ما بالشعوب العربية والإسلامية في بداية عشرية القرن الواحد والعشرين الثانية هذه مس أو لعنة اشتراك في جريمة الدكتاتورية وما تضمنت طوال العقود المتتالية من انتهاكات لحقوق الناس واستباحة للأرواح والأموال وبشاعة التعدي على الأعراض.
زيني محمد الأمين عبّاس
25 جويلية 2012