استراتيجية متكاملة ومرنة لإدارة المياه وإنتاج الطاقة في الوسط الواحاتي
1- السياق والإشكالية
إن التنمية المستدامة في المناطق الجافة، كما هو الحال في النظام البيئي الواحاتي بمدينة تجكجة في موريتانيا، تواجه مفارقة هيدرولوجية. فمن جهة، تعاني المنطقة من ندرة مزمنة في المياه، ما يؤدي إلى تراجع المخزون الجوفي وإضعاف الأنشطة الزراعية التقليدية. ومن جهة أخرى، تعرف فترة الأمطار فيضانات مفاجئة وعالية الشدة، ينتج عنها جريان سريع وغير مستغل لمياه السطح على طول الوادي. هذه التدفقات العابرة تنساب نحو المناطق الصحراوية دون أن يتاح لها الوقت للتسرب إلى باطن الأرض.
الإشكالية المركزية تكمن في كيفية تحويل هذا الفيض المدمّر إلى فرصة مستدامة لتعزيز الموارد المائية وإنتاج الطاقة.
—
2- أهداف المشروع
الهدف الأساسي هو تصميم وتنفيذ نظام لإدارة مياه الفيضانات يكون مجدياً اقتصادياً، منصفاً اجتماعياً، ومستداماً بيئياً. أما الأهداف الفرعية فهي:
إعادة تغذية الطبقات الجوفية: إبطاء تدفق مياه الفيضانات بشكل كبير لتعظيم تسربها وإعادة تكوين المخزون الجوفي.
الأمن المائي للشرب: تحسين توافر وجودة المياه للسكان المحليين.
إنتاج طاقة مستدامة: إنشاء مصدر كهرباء متجدد ولامركزي يعزز الاستقلالية الطاقية للمنطقة.
إنعاش اجتماعي واقتصادي: دعم الزراعة الواحاتية، تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص جديدة.
—
3- المقاربة التقنية والحلول المبتكرة
يرتكز المشروع على مقاربة مزدوجة: مرنة وتكاملية، مصممة لتُطبق في نقاط متعددة على طول الوادي بهدف تعظيم الأثر الإقليمي.
بدلاً من اقتراح سدّ ضخم واحد، تتمثل الحلول الأولى في إنشاء سلسلة من الحواجز المائية الصغيرة المتعاقبة.
في البداية، سيتم تدعيم المعابر الطرقية الحالية بأساسات خرسانية تسمح بتثبيت أبواب تنظيم قابلة للإزالة (بوابات أو عوارض) بعد ذروة الفيضانات. عند إنزالها، تُنشأ خزانات صغيرة مؤقتة تساعد على تسرب المياه. ستُكرر هذه المقاربة وتُوسع بإنشاء جسور-سدود جديدة مخصصة على طول الوادي.

الصورة: منظر لمعبر طرقي متصور في وادي تجكجة، مجهز بأبواب قابلة للفتح والغلق، تُكوّن بحيرة صغيرة في فترة انحسار الفيضان.
أما الحل الثاني فهو نظام إنتاج كهربائي يتكون من وحدات مستقلة قابلة للتكرار في مواقع استراتيجية على طول الوادي. كل وحدة تتألف من:
خزان سفلي: حوض خرساني كبير مدفون في مجرى الوادي، بفتحة مرتفعة لحمايته من الترسبات الرملية. يمتلئ فقط عند حدوث الفيضانات الكبرى.
خزان علوي: برج مائي مشيّد بجانبه يحمل خزاناً في الأعلى.
دائرة طاقية مغلقة:
- مرحلة الضخ (تخزين الطاقة): طاقة الألواح الشمسية المثبتة فوق الخزان العلوي تغذي مضخة ترفع المياه من الخزان السفلي إلى العلوي.
- مرحلة التوربين (إنتاج الكهرباء): عند الحاجة، يتم تحرير المياه من الخزان العلوي لتدير توربينة–مولداً في قاعدة البرج، ثم تعود إلى الخزان السفلي. الطاقة المنتجة تُضخ في الشبكة.

الصورة/الرسم: مخطط وظيفي لوحدة ضخ–توربين. يظهر الخزان المدفون، البرج المائي المزود بألواح شمسية، المضخة، والتوربينة لإنتاج الكهرباء.
—
4- المرونة، المزايا والأثر الإقليمي
تُعتبر الاستراتيجية المرنة حجر الزاوية للمشروع، وتمنح مزايا حاسمة:
التكيف مع الميزانية: يمكن بدء المشروع بوحدة واحدة ثم توسيعه تدريجياً حسب التمويلات، ما يتيح نتائج ملموسة بسرعة.
الإنصاف والتنمية الإقليمية: تضمن المقاربة المرنة توزيعاً عادلاً للمكاسب. بدلاً من مشروع ضخم وحيد، يمكن إنشاء بنى تحتية متعددة على طول الوادي. مدن مثل تجكجة، الرشيد، ولحويطات يمكن أن تستفيد من سدود صغيرة خاصة بها لأغراض زراعية، ووحدات كهربائية تلبي احتياجاتها المباشرة.
إنشاء شبكة طاقية مرنة: إضافة إلى الاستقلالية المحلية، فإن ربط وحدات إنتاج الكهرباء سيكوّن شبكة كهربائية إقليمية ذكية ومتينة، توفر استقراراً أكبر، توزيعاً أفضل للأحمال وأمناً لا مثيل له للإمدادات.
التكامل والاستدامة: يجمع المشروع بذكاء بين إدارة المياه وإنتاج الطاقة، محولاً ميزتين أساسيتين للصحراء (فيضانات نادرة وشمس وفيرة) إلى أدوات رئيسية للتنمية المستدامة.
—
5- الخاتمة
يمثل هذا المشروع حلاً مبتكراً وشاملاً لتحديات المياه والطاقة في الوسط الواحاتي. فبفضل اعتماده على بنى تحتية مرنة ودمجه بين تقنيتي المياه والطاقة الشمسية، يقدم بديلاً عملياً وقابلاً للتطوير.
يكمن جوهر قوته في قدرته على التحول من حل محلي إلى شبكة واسعة من البنى الإقليمية، تُعزز الأمن المائي، التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وتجعل من الموارد الطبيعية للمنطقة محركاً لازدهارها المستقبلي.
زيني محمد الأمين عباس
30 أوت 2025