أكتوبر 19, 2014
26 أكتوبر 2014 : ما ذا لو قرّر الشعب ؟
بداية، لا أخفي أن بي من التطير من هذا التاريخ بالقدر الذي بي من الاشمئزاز من أنشودة الشرعية التي صمت الآذان وأسقمت القلوب لأشهر طويلة متتالية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وما أفرزت من واقع مر لا يعكس بأي شكل من الأشكال طبيعة المجتمع التونسي وما عرف عنه منذ الإستقلال من إيمانه بالحياة لذاتها وتعلقه بأساليب إدارة وتسيير دولته حتى وإن مكنه منا الضير في بعض الأحيان وإنما هو واقع أفرزته هواية المتنادين لإنقاذ ما أمكن إنقاذه من سرح الدولة المنهار ووهم البعض واعتقاده في ما يدعيه تيار الإسلام السياسي من امتلاك حقيقة مطلقة قوامها أن العودة لما يعتبره الدين والتحلي بكل مظاهر التدين -والطاعة العمياء أولها- هو سبيل الخلاص والبديل الأفضل لدولة الظلم والجور والفساد.
بعد ذلك أشير – وبالعجالة التي بات يفرضها قرب هذا التاريخ – إلى أن مخاوفي من مفرزات انتخابات 26 أكتوبر 2014 أكبر بكثير من تلك التي كانت تنتابني قبيل إعلان نتائج انتخابات 2011. إذ لم أكن حينها أنتظر ذاك “الفوز الساحق للإسلامويين” الذي أخشى أن تعيده انتخابات 2014 بصفة شكلها المطابق لشكل سابقتها من حيث تعدد القائمات الإنتخابية في كل الدوائر وما قد يعيد من تشتت الأصوات الذي يخدم الإسلامويين بطبيعة قطيعية أنصارهم ووحدة قناعتهم بأن ممثليهم هم أفضل خلق الله حتى بعد كل الفشل الذي أثبتته تجربة ممارستهم للسلطة وما امتازت به من تفنن في أساليب المزايدة وادعاءات التمكين في الأرض وتخوين المعارضين لحد تهيئة الأرضية لتصفياتهم الجسدية وتصفية البعض منهم بالفعل…..
وليس هذا هو كل التخوف وإنما تضاف إليه تخوفات عديدة أخرى منها :
- أن تفرز صناديق الإقتراع عودة النظام البائد من باب الشرعية الانتخابية التي سئمناها مع التريكا بعد أن أخرجته “الثورة” من نافذة مزبلة التاريخ الضيقة ويصدق مبدإ ابن خلدون فيه بـ”أن المغلوب مولع بتقليد الغالب” فينتهج نفس طريق النهضة وحلفائها ويزيد عليهم بتسجيله الفوز على أنه تزكية لكل أساليب ممارسته المقززة للسلطة خاصة في ظل عدم توفر ظروف موضوعية للمحاسبة في ما مضى من عمر الربيع العربي ونعود بذلك لوضع تجتمع فيه كل مساؤي المراحل التي مضت من تاريخ تونس ويشقى أهلها بتعدد خيبات الأمل ويزداد نفورهم من السياسة ومن أهلها ويطمعون من جديد في من “يخافون الله” وهلم جرا.
- أن يجد التونسيون أنفسهم صبيحة السابع والعشرين من أكتوبر 2014 في وضع لا تفرز فيه صناديق الاقتراع معالم سلطة قادرة عدديا على تحمل مسؤولية إدارة شأن البلد ولا حتى بالتحالفات من فرط قزحية مجلس النواب بعودة كل التشكيلات السياسية لأحجامها الحقيقية في ظل التنافر والاستقطاب. هذا الوضع شديد الاحتمال في نظري بسيناريو تتقلص فيه تمثيلية النهضة وفق أدائها المخيب للآمال في الداخل وفي الخارج لحد الأربعين أو الخمسين ممثلا ومثلهم أو أقل قليلا للنداء ودونهما الجبهة الشعبية والبقية نتف بالممثل والممثلين ونحو ذلك. عند ذلك يستحيل تشكيل حكومة في الآجال وتقف تونس من أول أيام ديمقراطيتها على ما كنا نحذر منه دائما من مخاطر تولية الأمور من ليسوا أهلا لها لحد أن يختاروا لها نظاما لا يتفق مع طبيعة الحياة السياسية فيها، نظام لم تعد فيه مؤسسة الرئاسة تحتكم على صلاحيات حكم البلد وتشل القزحية مجلس نوابه والنفور والملل وتدني الثقة في السياسة وفي السياسيين كل الشعب.
هذا الوضع الأخير هو أكثر ما يخيفني على مستقبل الحياة السياسية في تونس وقد عبرت عن ذلك في مقال سابق بأن وصفت النظام الذي ابتدعته النهضة لتونس بالنظام الجُرلماني الذي لم يعد فيه من مقومات الجمهورية سوى مقابل ما للجمهورية فيه من الإسم.
زيني محمد الأمين عبّاس
19 أكتوبر 2014