يناير 5, 2014

لا تشيطنوا الرّحوي ليُستباح دمه

By زيني محمد الأمين عباس
نظرة سريعة بعين فطنة لمواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام المسموع والمرئي تكفي لاستظهار الحملة الاعلامية الشرسة التي يتعرض لها نائب الشعب التونسي عن حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الموحد منجي الرحوي إثر تصريحاته تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي بخصوص فصل في الدستور التونسي قديم متجدد حول مكانة الدين من الدولة في نص الدستور. 
والحملة – للفطنة – بدأت قبل هذا التصريح وهذا في الأصل مكمن الخطر: إذ لا يفوتني التذكير بما قرأت حول النائب نفسه من كونه الوحيد الذي تخلف عن الجلسة الأولى للمصادقة على الدستور فصلا فصلا في عُجالة وحده الله يعلم خلفيتها وراسخوا القدم في فهم السياسة وأساليب هواتها للبحث عن التنصل من استحقاقات تبعات الفشل الذريع في إدارة وتسيير شؤون البلد والمجتمع. إضافة إلى عديد النشريات الأخرى التي تدّعي الحديث باسم إجماع “شعبي” وهمي على أن الرّحوي هو أسوأ نائب وغير ذلك مما تُعلم مصادره ومما لا يُعلم له مصدر بعينه.
وبالعودة للموضوع في أصله نشير إلى أن ما قاله ويقوله الرّحوي بخصوص هذه المسألة “الدين ومكانته في الدولة والحياة” هو ما قلناه في أكثر من مناسبة وبوضوح الأسلوب الكافي الذي يفهم معه كل المؤهلون لمستويات الفهم الدنيا ممن لا تغشى عقولهم قترة التقوقع والانغلاق الإيديولوجيان من أمثال الإسلامويين والقومجيين العرب الذين يشتركون رغم ضديتهم الظاهرة في سذاجة استلهام الفكر السياسي حصرا من مقومات الهوية (الإسلام والعروبة) وما يتبع ذلك من تأهيل لنزعة النفور من كل من لا يشاركهم ابتذال هذه الفكرة وذاك المنهج ويُدفعون لتنزيل أبسط الخلافات المشروعة في الفكر والتفكير منازل مسائل الحياة والموت التي يعبرون عنها سذاجة بـ”المسائل الوجودية” “المبادئ”… والتي يستبيحون بموجبها وفي وضح النهار أرواح مخالفيهم الرأي أمثال كل ضحايا صدام حسين وحافظ الأسد ونحوهما على المستوى العربي وفي تونس شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومنجي الرحوي إن استمرت الحملة على ما هي عليه.
الدولة أيها الانغلاقيون لا تقف يوم القيامة أمام الله واستعارة شخصنتها عندنا معشر البشراعتبارية ولا شأن لها بأي دين من الأديان مهما بلغ اعتقاد الفرد أو الجماعة بعلو شأنه وشرف صلته بالمصدرية الإلهية والدين في نص القرآن (وأعني هنا حصرا الإسلام الذي هو مصدر هذا الجدل كله) لنا وليس لله “ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا” (الآية 3 من سورة المائدة) ونسبته في غير مكان لله (سورة النصر) نسبة مصدرية أي الدين الذي جاء من عند الله ولا وجه آخر لسبيل فهم غير ذلك بحجة أن ديانتين أخريين جاءتا من عند الله قبل الإسلام وما ينفذ له العقل بموجب ذلك من تعالي الله على أن يدين لنفسه بأي من تلك الديانات على نحو ما يلزمنا به وأن لا إكراه في الدين……
نسبة الدين للمجتمع نسبة أقرب لمقاصدية فهم الدين وفهم الحياة عموما وأكثر مظنة لتحقيق المصلحة الجمعية المشتركة الكامنة خلف إخراج الدين من حلبة الصراعات السياسية الضيقة والمشروعة وفق مؤهلات كل المتطلعين للعب الأدوار السياسية وما أكثرهم وما أضيق آفاقها في أذهانهم وعقولهم وما أشد وقعها على مستقبلهم في ما يتطلعون إليه.
نسبة الدين للمجتمع وترك باب حرية المعتقد وممارسة الشعائر أيا كانت مفتوحا على مصراعيه تُحرر إطار الإدارة والتسيير الأوحد (الدولة) من معيقات معتقدات ومستويات فهم غير قابل مآلها للخضوع للتحقيق أو التحقق في الحياة الدنيا التي هي جامعنا الأول والأخير بمستويات القدرة على اتخاذ القرار أو المبادرة، تلك المبادرة التي بموجبها خلقنا نحن الدولة ويستعد بعضنا لسفك دماء بعض في سبيل تقييدها بسذاجة فهمه الشخصي للمسألة الدينية.
دولة ذات دين بعينه لا يمكن أن تكون عادلة في حق من من مواطنيها قناعته اختيار أن يدين بدين غير الذي تتبناه وتدافع عنه وتنظر من منظاره الدولة ولا في حق ذاك الذي يجد في رفض فكرة الدّين والتدين ملجأ تحقيق الغرض من الدين (التوازن النفسي).  
الله لم يقل إنه خلقنا دولا وإنما خلقنا شعوبا وقبائل ولم يميز حتى بيننا بالتقوى في الدنيا وإنما أخبرنا بأن ذلك معياره لتحديد أفضلية بعضنا على بعض عنده (يوم القيامة).
عودوا إلى رشدكم أيها المستوصون دون وجه حق على الله سبحانه وتعالى والمتملكون جهالة إرادته واتركوا هذه الدنيا وأطر وأساليب تنظيم أهلها لها لما أعدت من أجله : أداة للتعايش السلمي الذي ترجى منافعه الآن وهنا ومن وراء إقرار كل أهله بنسبية طرح كل كمنهم لما يأمل أن تكون عليه الحال لا للتعصب راسخِ القدم على تربة الجهل وجاهلية القرن الواحد والعشرين. واعلموا أن تبعات فشلكم في إدارة وتسيير الدولة والمجتمع قائمة ولا ومهرب من مواجهتها يوما ما ولا تكونوا كجامع الحطب القادم من المدينة الذي يدور حول كومة حطبه ويزيدها كلما أعجبه عود على أمل أن يأتي من يعينه على رفعها لتبلغ كتفه أو لا تجعلوا من الرّحوي المسكين على الأقل ذاك العود هذه المرة، دعوا الرجل يعيش وأوكلوا أمر فكره وتفكيره إلى الله.
 
زيني محمد الأمين عبّاس
05 جانفي 2014