يناير 22, 2007
غياب المنطق في الفكر العربي الإسلاموي
عندما يغيب المنطق في التفكير والقول يصبح المرء قائلا لما لا يدرك له معنى وينجر إلى أن يقول عكس ما يريد التعبير عنه بل وقد يصل به الأمر إلى حد الانزلاق في متاهات هو في غنى عنها أصلا.
مثال على ذلك يتجلى في خطاب يتكرر بصفة يومية وعلى ألسن عديدة، فعندما يستمع السامع إلى أي مسؤول في حركة حماس الفلسطينية تطالعه عبارات منها: “حماس تريد أن تثبت وجودها” “حماس لا تعترف بوجود إسرائيل” “على فتح أن تعترف بوجود حماس كخيار للشعب الفلسطيني….” وغير ذلك من العبارات ذات الصلة والشبه.
والمستمع إلى مثل هذا التعبير وتلك الصيغ بعقل يقظ تستوقفه ضرورة أخذ موقف واضح من هكذا انعدام في الوضوح والسلامة في التعبير.
على حد علمي –والعلم لله – لا تسمح اللغة بجميع دلالاتها بإسناد الوجود لغير الله الواحد القهار القادر المقتدر الخالق المصور، فالله هو من أوجد هذا الوجود من عدم، وفيه يتصرف دون سواه من المخلوقات.
والحيرة في مثل هذا الموقف كبيرة، هل أن حماس ومن يتحدث باسمها ممن يصوغون مثل هذه العبارات يدّعون حقا وبعلم مسبق أحقيتهم في امتلاك الوجود؟ وإن ثبت ذلك يصبح من حقنا مطالبتهم بتقديم الأدلة والبراهين على صدق دعواهم، أو أنهم يريدون التعبير عن إرادتهم في إثبات أنهم موجودون إلى جانب كل من فتح وإسرائيل وسائر المخلوقات الأخرى؟ وهو مسعى إن ثبت يفرغ هدفهم من محتواه، فهم موجودون بغير إرادتهم وليسوا بحاجة إلى تكلف العناء في إثبات ما بات إثباته بديهيا. وكما هم موجودون إسرائيل كذلك موجودة ومن حقهم معاداتها دون أدنى حق لأحد في أن ينكر عليهم هذا العداء بل يستوجب عليه – إن كان فهمه لخطابهم نابعا من جذور عربية – أن يشاركهم هذا العداء. لكن عداء إسرائيل لا يبرر أن يعطوها الوجود بكامله فيكونون بذلك أقرب إلى الشرك منهم إلى الإيمان. كما لا يبرر أن ينكروا أنها موجودة وهي التي تشكل واقعا لا يقبل العقل إنكاره، واقع مر لا خلاف في مرارته بالنسبة إلى كل عربي وإلى كل مسلم، لكن مرارته لا تبرر التغافل عنه وحتى التغافل لا يحل مشكلة.
فإسرائيل موجودة وتمتلك أسباب البقاء والفلسطينيون بدورهم موجودون إلا أنهم – شأنهم في ذلك شأن جميع العرب والمسلمين – لا يمتلكون أسباب القدرة على تغيير هذا الواقع المر اللهم بألسنتهم مع العلم أنها عجزت إلى حد الآن عن القيام بمثل هذه المهمة حسب تقديري.
لا أعرف ما إن كانت هذه الاستراتيجية إرادية أم لا، ولكن ما أستطيع ادعاء معرفته ولو بتكرار هو أن إسرائيل لا تمتلك الوجود ولسنا بحاجة إلى حماس أو غيرها لإعلامنا بذلك، وهي موجودة وقادرة في حدود الإرادة الإلهية على البقاء. والله لا يقرر برغبة مخلوقاته ولا يغير ما بقوم ما لم يغيروا ما بأنفسهم.
وقد أصعَد القول إن قلت إنه من الحماقة أن تكون إسرائيل مستعمرة لأراضي الفلسطينيين وأراضي غيرهم من العرب باعترافها وباعتراف سائر المجتمع الدولي، والعرب والفلسطينيون عاجزون عن صياغة إشكاليات واضحة المعالم وإن تجاسروا وصاغوا ما اعتبروه إشكاليات أو ثوابت جاءت فارغة المحتوى.
فالصراع العربي الإسرائيلي صراع جعلت منه الاستدامة صراعا دوليا شروط حله لا تقتصر على الفرقاء فحسب وإنما هو صراع لا يمكن حله إلا في إطار دولي، ولا إطار دوليا خارج واقع الأمور في ما عليه العالم من أحادية في القطب. فالعالم لمن له عقل يدرك به تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، يدها تطال جميع أنحائه وهو ما لن ينكره العراقيون بالأمس والسوريون والإيرانيون غدا، ومصالحها معيار يكاد يكون أوحد للقياس ومحك تصقل عليه جميع القضايا.
ومن يعتقد بغير هذا الطرح لا يملك غير الاعتقاد سلاحا ولا خيار أمامه سوى الانحسار في الزاوية، وهذا للأسف الشديد ما عليه العرب والمسلمون، وهو السقف الذي لا أظن أي فلسطيني يرغب في الخروج من تحته مهما كان توجهه أو انتماؤه.
والعرب والمسلمون – حسب تقديري – بحاجة إلى وقفة تأمل ونقد للذات، فهم لا يدركون تمام الإدراك أن الأسس والمقومات التي تنبني عليها شخصيتهم خاطئة وهذا الخطأ يحملني على طرح التساؤلات التالية:
هل يدرك العرب والمسلمون أن المقوم الأوحد لإدراكهم ذاتهم هو عداؤهم للآخر؟
هل هم عرب ومسلمون لأنهم أعداء للغرب وللمسيحيين؟
هل هم عرب ومسلمون لأنهم أعداء لإسرائيل ولليهود؟
هل هم عرب ومسلمون لأنهم أعداء للولايات المتحدة الأمريكية؟
وفوق هذا كله هل عداؤهم لهذه الحزمة من الآخر كفيل بحل جميع مشاكلهم؟
ولست غنيا عن التذكير هنا بأن العرب والمسلمين في خضم هذا الخلط في المفاهيم والإشكاليات يصورون أنفسهم دائما على أنهم رمز مطلق لكل ما هو خير والآخر رمز مطلق لكل ما هو شر، في حين أن المطلق وحيد وهو الله وكل ما سواه نسبي، والنسبية هي الغائب الكبير عند العرب والمسلمين وفي كل المجالات، وهنا مكمن الداء.
هذه التساؤلات على بساطتها بديهية الطرح عندما نكون أمام أي متحدث عربي مسلم من أي قطر كان ومن أي توجه. و على اختلاف الأقطار والتوجهات تختلف الآراء في كل شيء سواء احتمل الاختلاف أم لم يحتمل، ويتفق الجميع في شيء واحد هو غياب العقل والمنطق في التفكير وفي تناول الأشياء.
فإذا اقتصر الهدف من أن العرب والمسلمين موجودون ويشكلون جزءا من هذا الوجود المترامي الأطراف على أنهم أعداء لغيرهم فالوجود في غنى عن انتمائهم له أصلا.
على حد علمي إن الله خلق الإنسان واستخلفه في الأرض وطلب منه شيئا واحدا هو العبادة وبها يكون تجسيدا لإرادة الله في الأرض. لم يخلق الله الإنسان ليستعين به على قضاء أمر الله أقدر على القيام به. ومن يعتبر نفسه أو سياسته إرادة الله لشعبه يبيت النية في الاستبداد والاستعباد والتصرف في رقاب الناس بما لا يرضي الله ولا رسوله (ص).
كثيرا ما نسمع المسؤولين السياسيين – إن جاز وصفهم بهذا الاسم – يعتبرون ما يقومون به ويسعون إلى تنفيذه من سياسات إرادة الله، وأحيانا يحولون هزائمهم إلى نصر ويعتبرونه نصرا إلهيا ويبتغون من وراء ذلك شرعية ومشروعية تمكنهم من اقتياد الناس إلى هذه الوجهة أو تلك، ويجدون – للأسف الشديد – من ينصت إليهم ويتبعهم ويتناسون أن الخالق جلَ شأنه خاطب في الإنسان العقل وبعقله حمله المسؤولية وجعله أهلا لتحملها بقدرته على التمييز بين ما فيه الخير وما فيه الشر، ما يستقيم وما لا يستقيم، ما هو عقلاني وما لا عقلانية في قبوله. والعقل عند الإنسان أيا كانت ديانته أو انتماؤه العرقي هو الأداة المنفردة التي تمكنه من التمييز بين الأشياء واتخاذ المواقف وفق ما يؤمن به من شرائع ومعتقدات.
عند المسلمين الخلط بين الدين والسياسة أمر مشين، ففي الوقت الذي ينبغي أن يمثل الدين رمزا لكل ما هو ثابت وقدسي والسياسة خلافا لذلك رمزا لكل ما هو متحول ومتغير ومصداقيتها في هذا التحول وذلك التغير تجد العرب والمسلمين يعتقدون في ثبات شعاراتهم ومبادئهم السياسية اعتقادا لا مساومة فيه ولا يولون اهتماما ذا قيمة لما يبرز في معتقداتهم وممارستهم الدينية من تحول.
والغريب في الأمر أنه لا يكاد يشذ عربي أو مسلم عن قاعدة أن الدين سياسة والسياسة دين. وبغير وعي يبدو وعيا أحيانا.
وكما ورد سابقا لا تتحرج حماس من أن يكون لها أو لإسرائيل وجود ويشاركها في ذلك جميع العرب والمسلمين بعدم التنبه – على الأقل – إلى خطورة الوصف في صياغته ولا تقبل التراجع قيد أنملة عن أن ما تراه وتتبناه من سياسات ساذجة أحيانا قابل للنقاش. منطلقة في هذا التصلب من أن سياساتها مستقاة من الدين ومن يرد مخالفتها كأنما تجاسر على مخالفة الدين.
ومثل حماس كثير من الحركات والأحزاب ذات الرؤى المزعومة دينية ثابت الخطى في تنظيره للطرح الشمولي، الذي يغيب الغير ويختزل الأمور في ثنائية مغلقة متمثلة في من مع ومن ضدَ، وكأن هذه الثنائية حتمية فأي موضوع يتم طرحه أو تناوله بالدرس والتحليل لا يحتمل غير موقفين موقف مؤيد تمام التأييد وموقف معارض تمام المعارضة.
ولتجنب مثل هذا الطرح تبدو ضرورة الفصل بين الدين والسياسة ملحة ومن شأنها خدمة الدين وخدمة السياسة وخدمة المجتمعات جميعها. والفصل بين الدين والسياسة ليس بمعنى العلمانية التي تنادي وتتبنى ضرورة فصل الدين عن الدولة، إذ الدولة كيان بمؤسساته وقوانينه وفعالياته المختلفة والسياسة مجال من الأفكار والأطروحات قوامه عقلانية التفكير وحرية التعبير والقبول بالرأي المخالف واحترامه . وفي هذا الإطار أود المطالبة بضرورة الإحجام عن تسمية من يدعون استقاء برامجهم السياسية من الدين الإسلامي بالإسلاميين لما يتضمنه هذا الاسم من تقرير واضح وشمولية مفروضة على عموم المسلمين. فأنا لا أنكر عليهم ادعاءهم استقاء أفكارهم من الدين الإسلامي وإنما لا أوافقهم في أن جميع ما يصوغونه من أفكار وغير أفكار أحيانا دينية أو هي أفضل ما يمكن أن يطرحه الدين الإسلامي الحنيف. ولكي أنصفهم وأنصف عموم المسلمين أقترح تسميتهم بدلا من ذلك بالإسلامويين حفظا لعلاقة دعواهم بالدين الإسلامي ودرءا لمخاطر ما يطرحونه من أفكار وما يقومون به من ممارسات عن عموم المسلمين. وأستند في ذلك إلى أن الدين الإسلامي دين للإنسانية جمعاء وليس من حق مجموعة أو جماعة بعينها أن تنصب نفسها ناطقة باسمه وعاملة وحدها بمقتضاه.
وأرجو أن لا تفهم دعوتي هذه بالسعي إلى إقصائهم أو إبعادهم لا من دائرة الإسلام – معاذ الله – ولا من الساحة السياسية وإنما فهمها الصحيح يتنزل في الرغبة في الحفاظ على حق المسلم أيا كان في الحفاظ على موقع من خلاله يستطيع بسط نظرة موضوعية على ما يطرحونه من أفكار وما يقومون به من ممارسات سياسية وغير سياسية وقبولها أو رفضها بحرية كاملة دون الخلط بين ما تطرحه فئة بعينها وما ينسحب على جميع المسلمين دون موافقتهم المسبقة.
وأقل ما من شأنه أن ينجر عن تطبيق مثل هذه الدعوة من إيجابيات هو الكف عن أخذ عموم المسلمين بذنوب هواة في السياسة. وكذلك انجلاء الغموض عن التساؤلات التي يطرحها كل مسلم حول السر في عداء الآخر للإسلام وللمسلمين وعجزه عن فهم ذلك العداء، حيث يبدو حينذاك واضحا أن مرد هذا العداء يكمن في أنه باسم الدين الإسلامي يقال ويفعل ما ليس من الدين في شيء ومضار هذا القول وذلك الفعل تطال مصالح من لا غيرة لهم على الدين الإسلامي ولا على المسلمين، ومن حقهم عقلا ومنطقا أخذ ما يستطيعون من إجراءات ومواقف لدرء الخطر عن أنفسهم.
وللتوضيح أكثر، يتساءل العرب والمسلمون دائما وفي كل المناسبات عن سر عداء الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة والغرب بصفة عامة للإسلام وللمسلمين، كما يتساءلون كذلك عن سر الربط بين الإسلام والإرهاب، وكيف تصبح أعمال المقاومة إرهابا؟ ويصبح القمع والاضطهاد والظلم على يد من كان مكافحة للإرهاب.
هل هذا الوضع اختلال للتوازن في العقل البشري عموما أو أن له ما يبرره في تصرفات وممارسات المسلمين؟
للإجابة عن بعض هذه التساؤلات ألفت النظر إلى أن الولايات المتحدة وغيرها تناصب الإسلام والمسلمين العداء نتيجة لإدراكها بأن شخصية العربي المسلم تتحدد – كما سبق القول – بعدائه لها، وكل ما لديه من خطاب سياسي قائم على هذا الأساس. والمسلمون يتبنون – عن وعي أو عن غيره – ما تقوم به فئة قليلة باسمهم من أعمال عدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها. ومن غير المنطقي أن يكون عدوك متميزا ومشهرا ومفتخرا بعدائك وأن تكون له محبا.
والأمرًًًّ من هذا الوضع أن العرب والمسلمين لا يستحضرون دائما حقيقة أن العدو يمتلك من القدرة والعزم ما هو قادر به على إيذائهم بشكل جديَ وملموس، ولا يمتلكون له من أسباب القدرة على المعاملة بالمثل إلا ما من شأنه أن يزيده عليهم قدرة وإضرارا بما يعطونه من مبررات. وهكذا تجد العربي المسلم دائما في ختام ما يصدر عنه من محاولات الخوض في فهم هذه الإشكاليات متضرعا إلى الله في الوقت الذي لا تلمس عنده الحذر من مخاطر ممارساته في واجبه مع الله.
مثال على ذلك بسيط في بسطه كبير بخطورة عواقبه: إن الله وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أخبرنا باستفراده بعلم الغيب وكنه الروح وحجب مثل هذه الأسرار حتى عن نبيه، ويأتي العربي المسلم في أسلوب تقريري خال من جميع المحسنات البيانية ليخاطب أخاه المسلم ويقول “استشهد فلان” وهو أسلوب لا أستطيع أن أفهمه خارج قواعد ودلالات اللغة إلا فهما واحدا يتمثل في تأكده من أن الله قبل فلانا ذاك في عداد الشهداء وما يترتب على ذلك من نعيم ومغفرة وثواب وما إلى ذلك مما يتمناه المسلم لنفسه ولأخيه. في حين لم أسمع إلى حد الآن بعودة ميت ليخبر عن حاله وحال من هو في حاله من بني البشر كما لم أسمع ولا أستطيع أن أفهم أن يكون الله جل جلاله أعطى مخلوقا من مخلوقاته علم الغيب كما تقدم حتى يعلم هذا المخلوق ما فعله الله بعباده الذين قضوا نحبهم.
وأشتم في الأمر مخالفة وتجاوزا لحدود قدرة البشر، بل وشركا بالله لا يمكن أن تكون عواقبه محمودة.
أستطيع أن أفهم رغبة البشر في التمني على الله أن يقبل الأهل والأحبة و الأصدقاء ومن لنا بهم رأفة وشفقة لأسباب عديدة شهداء والتضرع إليه بأن يكرمهم وينزلهم منزلة النبيين والصديقين، ولكن لا أستطيع أن أفهم أن يكون التمني في اللغة بصياغة التقرير والإثبات بما لا يدع مجالا للشك. وأشتم في التجاوز على قواعد اللغة والعقل والتجاسر على الخالق رائحة الرغبة في التأسيس لسلوك يخدم مصلحة ما، كأدلجة ودفع المستضعفين من خلق الله إلى القيام بأعمال معينة بغية تحقيق هدف أو أهداف قد تكون مشروعة ولكن تحقيقها يتطلب القيام بأعمال غير مشروعة ولا يقبل العقل القيام بها. مثل تجنيد أفراد للقيام بعمليات انتحارية وطمأنة نفوسهم ونفوس ذويهم بالشهادة والجنة الموعودة كما لو كان امتلاك مفاتيحها حقيقة وتناسي أن قتل النفس كبيرة لا يغفرها الخالق لمخلوق. ومنطق الحياة البشرية يرفض أن يقوم الشخص بتعمَد قتل نفسه بغية تحقيق هدف ما، لما لهذا العمل من تناف مع مبدإ النفعية. قد يقول المروجون لهذه الأعمال – ويقولون دائما – إن هذا داخل في باب الجهاد بالنفس وهو قول يجدون له ما يستند إليه في الأثر الإسلامي لكن الجهاد يكون في إطار عملية قتالية موت المضحي فيها ليس هو الهدف المرجو أصلا وإنما يأتي تجسيدا لاستبساله وثباته في ساحة المعركة فيموت على غير يده، فيكون بذلك مضحيا فعلا ومجاهدا حقا. والأمر يختلف عن أن يجعل الإنسان من نفسه أداة قتاله الوحيدة خاصة وأن هذا الأمر يدفع بالطرف المقابل إلى اعتبار أي عابر سبيل بريء مصدر خطر محتمل يشرع الظرف العام مهاجمته بعلة الدفاع عن النفس. ولا يستطيع أحد إنكار حدوث مثل هذا الأمر، بل و الأخطر من ذلك، يشكل القتال بصفة مدنية غير مميَزة عن صفات عامة الناس تعديا على حقوقهم، بمعنى أن ممارسة المحارب لما يرتئيه من عمليات ضد عدوه يجب أن يكون في الإطار الذي لا يسمح فيه بالخلط بين المدني الذي تحميه القوانين الدولية حتى في وقت الحروب وبين المحارب الذي يمارس حقه المشروع في الهجوم على عدوه.
كما يجدر التنويه هنا بأن استعمال الفتيات والنساء وحتى العجائز لتنفيذ هجمات انتحارية جريمة كبرى في حق المرأة وفي حق المجتمع بصفة عامة ولا أرى له من مبرر اللهم ما كان من استغلال لوضعية ضعف معينة أو حالات متناهية الرداءة من الجبن والعجز عن تقدير حجم عواقب مثل هذه الأعمال.
وفوق هذا كله هل العمليات الانتحارية سلاح ناجع؟
سؤال يجب توجيهه إلى من يعرف بفصائل “المقاومة” الفلسطينية والتي أرغب دائما في أن أسميها فصائل “تضييع الحقوق”. من يعتبرها غير ذلك حسب تقديري لا يقدَر قيمة النفس البشرية ولن يجني من وراء الإصرار على أنها “المقاومة” إلا ما جنته هذه الفصائل نفسها من تصنيف في قوائم المنظمات الإرهابية وما ترتب عن ذلك من تهميش لقضية شعب صاحب قضية زجَ به وبقضيته في ركن مهمل.
هذا الشعب يتحتم عليه أن يجعل من حقه قوة وينبذ حقه في التعويل على القوة، أي بعبارة أخرى التمسك بقوة الحق لا بحق القوة، ولا ضير إن وصل به الوعي درجة التنصل من الشعارات وقاده الإيمان بقوة حقه إلى الإعلان الصريح عن ضعفه وعن عجزه عن تحقيق أهدافه بالقوة وتنصله من هذا الخيار، وفي المقابل تمسكه بحقه في مساندة الجميع ودعمهم لقضيته حتى تتجسد قوة حقه وتتغلب على ظلم ودهاء ومكر عدوه. وهو أمر لا أراه مستحيلا في مثل هذا الظرف الذي يجنح فيه الجميع لحل هذه القضية المستعصية.
والعقبة الكبرى التي تتبين لي صامدة في وجه التوصل إلى الحل وبشكله النهائي هي انعدام الرؤى الواضحة لدى الطرف العربي لمستقبله بصفة عامة ورغبته في العيش بسلام في جو تسوده التعددية في الرأي والاحترام المتبادل وحتمية التعايش السلمي المشترك بصفة خاصة، وهي عقبات دفينة ومستعصية على التذليل أكثر من عقبات المسائل الإجرائية مثل حدود الرابع من حزيران ومسألة تقسيم القدس واللاجئين وغير ذلك من أدبيات الصراع.
وعلى ذكر القدس أرى أن الموقف العربي – ومنذ البداية – يفتقد إلى الحكمة والحنكة والعقلانية، إذ تبدو جميع المطالب المتعلقة بالقدس مطالب مزايدة أكثر منها مطالب جدية خاصة مطلب أن تكون القدس كل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية ولا شيء دون ذلك. فالقدس مدينة مقدسة راعت قرارات التقسيم خصوصيتها وأحقية الجميع في اعتبارها كذلك كل من جهته، فكيف يجعلها العرب عثرة كأداء في وجه الحلول. ألم يحن بعد الوقت الذي يطفو فيه على السطح من العرب من يستطيع أن ينفذ برجاحة عقله إلى التساؤل عن الأسباب التي جعلت إسرائيل – وهي المسيطرة بالفعل على القدس – تحجم عن إعلان هذه المدينة المقدسة عاصمة لها؟ وفضلت أن تجعل من
تل أبيب عاصمتها السياسية فيما يصر العرب على أن تكون القدس حرة وعاصمة أبدية لدولة فلسطين.
الإجابة بسيطة جدا : اليهود منذ البداية يريدون بناء دولة تتمتع بمقومات البقاء وجادون في مساعيهم بينما ظلت وما تزال فكرة الدولة الفلسطينية عند العرب والفلسطينيين مطلب مزايدة أكثر من كونها نابعة من رؤية واضحة لشكل ومضمون الدولة.
إن الموقف الذي يقفه العقل والفكر العربيان من ظاهرة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية قائم على أسس عاطفية متصلبة غير قابلة للمراجعة أو للنقاش، مردَ ذلك إلى أن الظاهرة حديثة العهد نسبيا وتمت بطريقة جدَ قسرية وجد عنيفة تجعل الخروج من موقع المظلوم الذي يحس بالظلم والقهر إلى موقع الطرف في نزاع تتجاوز جذوره الحدود الدنيا التي كان يأخذ الأمور ضمنها أمرا صعبا بل مستحيلا.
فبين الجسم العربي الواحد بامتداده، المشتت بنسيجه الاجتماعي والسياسي في فترة ما قبل التكالب على “الرجل المريض” وبين تصفية الاستعمار الإنجليزي في الشرق الأوسط على إثر الحرب العالمية الثانية وزرع الكيان الصهيوني، بدت الصدمة كبيرة وردة الفعل كذلك والتي تمثلت في الرفض الجذري والقاطع لكل ما لهذه الصورة من مظاهر. والرفض – للأسف الشديد – بقي مجرد رفض، ليست هذه رغبة في تحجيم أشكال المقاومة التي اتبعها العرب منذ اللحظة الأولى وإنما هي نظرة موضوعية للأحداث قوامها أن العرب لم يدركوا منذ الوهلة الأولى أن الأمر أبعد من مجرد حزمة يهود يمكن احتواء أمرها ولم يروا في الأمر بداية جدية لصراع أوسع جذوره تاريخية وجذعه رغبة الغرب والرأسمالية في التحرر من سيطرة اليهود على فعاليات الاقتصاد، وما حزمة اليهود إلا الأوراق التي تتساقط في الخريف لتعود للاخضرار في الربيع.
وقد لا ننصف قلة قليلة إذا قلنا إنه ليس من العرب في ذلك الوقت من لم يكن له بعد نظر في فهم تفاصيل اللعبة مثل الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بطرحه لعرض القبول بقرار التقسيم كخطة مرحلية في مؤتمر أريحا والسعي لتطويق واحتواء الأضرار الأخرى، إلا أن عنفوان المظلوم وإيمانه بانتصار الحق على الباطل منعا الجميع حتى من مجرد سماع مثل ذلك الصوت.
إن عرض مثل هذه الأفكار في الوقت الراهن لا يمثل بكاء على الأطلال بقدر ما هو رغبة في التأسيس لمقاربة جديدة لإدارة الصراع بما يحد من الجهل بمخاطر استمرار الخسائر بالوتيرة المتسارعة التي عليها حال العرب والمسلمين منذ قيام الدولة اليهودية في فلسطين وحتى احتلال العراق سنة 2003 وما يشهده الآن هذا البلد من حرب أهلية فعلية غير معلنة وتقسيم بات شبه حتمي، وأصوات طبول الحرب المستقبلية على كل من إيران وسوريا، هذه الطبول تقرع في بيروت والبقاع ومجلس الأمن الدولي في بداية 2007 الجارية.
إن المسوغات التي يقدمها العرب والمسلمون لتبرير ما هم عليه من مواقف سليمة وغير سليمة أحيانا غالبا ما تكون دون درجة الإقناع المطلوبة، فموقفهم من الاحتلال مثلا، والذي يمثل تجسيدا للاستعمار، لا يستند إلى أدنى حدود الموضوعية. فالاستعمار ظاهرة بشرية سجل منها التاريخ حالات عديدة مؤسفة وذات أعراض ونتائج جد سلبية بالنسبة للمجتمعات ولكن سلبيتها وسوء النتائج التي تترتب عنها لا تبرر رفض التعاطي معها عندما تكون واقعا.
وأول خطوات القبول هو قبول حال الاحتلال إن أصبح قائما فعلا لتبدأ عملية التخطيط لتصفية هذه الظاهرة. فالعيب – حسب المنطق – ليس في أن يكون شعب ما تحت الاحتلال وإنما في أن يكون في ظرف تتجسد فيه قابلية الاستعمار. ولا أعتقد أن مجرد رفض الاستعمار كفيل وحده بتحقيق الاستقلال. كما لا أظن من يتكلف أعباء ومعاناة التسلط على غيره من الشعوب لديه الاستعداد الكافي للتخلي عما يجنيه من فوائد بمجرد أن يرفع هؤلاء شعار المقاومة.
والغريب في الأمر أن العرب والمسلمين يشهرون دائما ورقة حقهم في المقاومة والتي تكفلها القوانين الدولية. وفي هذا الإطار لا أجد نفسي غنيا عن التذكير أن القوانين الدولية – شأنها في ذلك شأن جميع القوانين – ليست إطارا مطلقا فيه كل ما هو خير وكل ما هو عدل، وإنما مصداقيتها تتأتى من مدى احترامها وتنزلها في الأطر التي تكسبها صبغة القوانين. بمعنى أن القانون قد يكون معك وقد يكون ضدك حسب الموقع الذي تقفه من أصول التشريع، وقانونيته لا تتأتى من أنه لصالحك وعدم قانونيته لا تتأتى من كونه ضدك وإنما من الأصل التوافقي الذي أعطى جهة ما خاصية أن ما تصادق عليه بطريقة معينة وتصدره – بعد الدرس والتمحيص طبعا – يصبح قانونا.
فالقوانين الدولية تعطي أي شعب واقع تحت الاحتلال الحق في المقاومة كما تقدم ولكنها لا تحدد وسائل هذه المقاومة كما لا تلتزم بتوفير الوسائل الضرورية لإنجاح هذه المقاومة، تلك أمور متروك تقديرها وتوفيرها لمن هو في مثل هذه الوضعية.
والوسائل متعددة لا يجوز لأي كان أن يختصرها في وسيلة دون غيرها وإن أصر على أن يقوم بذلك فذلك حسبه. إلا أنه من الجهل أن لا يكون مدركا أنه المسؤول الوحيد عن توفير أسباب تحقيق أهداف هو رسمها لنفسه واختار لها الوسائل التي يرتئيها لتحقيقها.
مثال على ذلك واضح عندما ينادي الفلسطينيون بصوت عال بأنه من حقهم مقاومة المحتل – وهو حق لا غبار عليه – لا يدركون تماما أن المجتمع الدولي غير مطالب بأن يوفر لهم ما يحتاجونه من أسلحة وذخائر وأموال ضرورية ودعم لإنجاح خيارهم ولا عيب في أن لا يقوم بذلك، فهو عندما قرَر أن من حقهم المقاومة قرَر تحت مظلة فوق رؤوس الجميع وعلى بعد متساو وعندما يتعلق الأمر بالدعم والمساندة يكون كل حسب ما يراه من مواقف وما تحدده مصالحه من رغبة في التعامل مع هذا دون ذاك وفق موقفه ورؤيته لمدى توفيق الخيارات التي يتبناها ومدى تماشيها مع الفلسفة التي يؤمن هو بها. ويزداد الأمر تعقيدا عندما ندرك أن المجتمع الدولي – وتحت المظلة السابقة الذكر – مفترض فيه التساوي في صياغة واتخاذ القرارات وعندما يتعلق الأمر بالقدرة على التأثير والدعم تتباين المواقف حسب القدرات.
لفهم هذه النقطة الأخيرة سؤالان بسيطان :
هل من دولة عربية وإسلامية لا تدعم دون تحفظ موقف الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل؟
ولكن هل تستطيع أي من هذه الدول أن تتجاوز مجرد الدعم بتسجيل المواقف إلى أدنى خطوة عملية؟
الإجابة أبسط من التساؤل : الدعم بالخطى العملية يستخرج من مخزون يدعى الاستقلال في الرأي والقدرة على الدفاع ولو بالقوة عن الخيارات التي تتخذ والإمساك بما يجعل الآخر يقدَر ويحترم ويخاف، والقاعدة تقول إن فاقد الشيء لا يعطيه.
فالتعنت والتصلب في المواقف والعجز عن مراجعة الخيارات أسلوب يخدم مصالح الأعداء أكثر مما يلحق بهم الضرر.
ومن هذا المنطلق أستطيع الإشارة إلى أن الحركات والتيارات العربية الإسلاموية وقعت في فخ نصبته إسرائيل بإشارة من حلفائها من شبكات المخابرات العالمية، وذلك بعد تأكدها من أن سير الفلسطينيين بصفة خاصة والعرب عموما في طريق السلام الجاد أو الاستسلام – كما يحلو للبعض تسميته – من شأنه أن يحرج حلفاء إسرائيل من المسؤولين الفاعلين دوليا أمام الرأي العام في مجتمعاتهم إن هم استمروا في دعم إسرائيل بأعين مغمضة وجيوب مفتوحة طالما أن العرب يجنحون إلى السلم ويقبلون بها كصديق عدو ويلتزمون بالامتناع عن القيام بما من شأنه تهديد أمنها واستقرارها من خلال إبرام معاهدات سلام وعلاقات دبلوماسية عادية معها.
عندما أدركوا ذلك أوحوا إلى أصحاب التفكير الشمولي والاختزالي بفكرة بسيطة مستوحاة من الواقع، هذه الفكرة مفادها أن إسرائيل ما جنحت للسلم والجلوس على طاولة المفاوضات وجها لوجه مع الفلسطينيين – وهي المتعنت بالأمس – إلا لحمل الأطفال الفلسطينيين الحجارة ورشق جنودها المحصنين في الدبابات والمدرعات والمدججين بالسلاح. فماذا لو تحولت الحجارة إلى سلاح؟
النتيجة سهلة التصور : ستزول إسرائيل من الخريطة بكل بساطة وستتحرَر فلسطين كامل فلسطين وستصبح القدس عاصمة ويعود اللاجئون ويفر المستوطنون والحلم طويل.
والذي عولت عليه شبكات المخابرات العالمية والموساد هو تأكَد عجز هذه العقول غير المشكوك فيه عن إدراك ما خلف الصورة المنطلق: أطفال فلسطينيون يرشقون جنودا يهودا بالحجارة فوق أرض فلسطين، وحقيقة أن هذه الصورة ما كانت لتهز عزم إسرائيل لولا أن تناقلتها وسائل الإعلام الغربية وأشبعتها تغطية ونشرا، وما كان لذلك من تأثير على الرأي العام الغربي المبني على الأسس المنطقية، حيث أدرك هذا الرأي العام أن ما دفع الطفل البريء إلى المخاطرة بحياته غير مبال بالموت المحتوم أكبر من أن يسكت عليه فدفع بذلك المسؤولين وأصحاب النفوذ الذين فوضهم تسيير شؤونه بكل حرية إلى تغيير سياسات الدعم العمياء لإسرائيل قوة الاحتلال الجبارة وصاحبة الجيش الذي لا يقهر.
كما لم تكن زمر التغييب والتفكير الشمولي عند العرب قادرة على إدراك أن تغيير الصورة التي هي في الأساس أصل تغيير نظرة الرأي العام الفاعل بأن يصبح البالغ بدلا من الطفل وتصبح البندقية بدلا من الحجارة يؤدي إلى تغيير مفعول الصورة وما إلى ذلك من تسلسل منطقي للأشياء، إذ يصبح عندها من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وعن مدنييها ويصبح الفلسطيني بلحية فوضوية ووجه مقنع في بعض الأحيان في عين الغربي الأنيق الحريص على انتظام مظهره، إرهابيا والمجتمع الدولي صامت والوضع على ما هو عليه.
يفسر هذا العرض البسيط بعض نقاط الاستفهام التي يتوقف عليها العرب والمسلمون دائما ولا يجدون لها تفسيرا. مثال على ذلك كيف يتحول الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من شريك لإسرائيل والولايات المتحدة في السلام إلى سجين في خربة السجن منها أكثر رفاها وشرفا؟ ويستمر على ذلك الحال طوال ثلاث سنوات كاملة تقريبا.
الجواب على هذا السؤال وبنفس نسق الطرح بسيط جدا :
ذنب عرفات الوحيد أنه وجد في موقف محرج تمام الإحراج: فأصحاب التفكير الشمولي رعاياه بالهوية ورعايا غيره بالذمم وغيره ذو مصالح مختلفة عن ما يراه هو مصلحة لشعبه وهامش المناورة والتحرك محدود جدا أمام راع للسلام طرف في الصراع وعمق استراتيجي أضعف من الضعيف بدرجات بل ومع ضعفه تابع تمام التبعية والخيارات أمام هذا الزعيم المسكين محدودة وحلوها أمر من مرها، فإما التحدي ومواجهة الإسلامويين ونزع ما يسمونه سلاحا يعولون عليه بالقوة حتى لو لزم الأمر الدخول في حرب أهلية، وإما قبول العزل والتحييد والتهميش.
ولمَا كان الإسلامويون “إرادة الله في الأرض” وما يعتبرونه سياسة خلاص حتمي ومن يموت بتوجيههم وبتدبيرهم شهيد ينعم في جنان ربه، فلا تنتظر من قائد عربي بحجم ومستوى ياسر عرفات أن يقف في وجههم في مثل تلك الظروف خاصة وأن من يحاول مجرد انتقادهم يحسب بلا تردد على العمالة والانبطاح والتبعية وما على شاكلة تلك النعوت من المواصفات التي لا يرضى مخلوق الاتصاف بها.
وغني عن أن أذكر بأن الراحل عرفات لم يختر القرار الجريء على مرارته وفضل التغافل عن تحركات هؤلاء حتى حسب على الجبهة الأخرى بالحامي للإسلامويين والمؤيد لسياساتهم وجاراهم في خطابهم وتحدث بلغتهم وأجل الصدام للوارثين وهم في غباره اليوم يكرون ويفرون، حريصون على التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني ويعتبرونه خطا أحمر بذاته يخط في كل زقاق.
ولو أنه فضل الخيار الآخر على مرارته لكانت الأمور على غير ما هي عليه. فالهروب من الحرب الأهلية إذا توفرت ظروفها قرار غير شجاع. والحرب الأهلية إن توفرت شروطها يكون اشتعالها اليوم أفضل من غد. وأدنى إيجابيات الحرب الأهلية – إن لزمت – هو إدراك الاخوة المتناحرين أن التناحر لا يحمل غير الخسائر دون التوصل إلى حل واستخلاص العبر من التجارب الواقعية أفضل من الحلم بالتنظير.
ولمن لا يفهم حدة مثل هذا الخطاب وظاهرية البغضاء فيه أطرح هذه التساؤلات علَ الإجابة عليها معينا على التفهم :
هل رفض ياسر عرفات لخيار الحرب الأهلية في المجتمع الفلسطيني منع حدوثها ؟
إن لم تكن الحرب الأهلية قائمة اليوم في فلسطين فما معنى الحرب الأهلية؟
ألم تقتنع معظم الفصائل اللبنانية التي خاضت حربا أهلية لا هوادة فيها بأن التعايش السلمي هو الحل الأوحد؟
أليس تعنت حزب السيد حسن الآن في لبنان ناتجا عن عدم مشاركته الفعلية في تجربة الحرب الأهلية؟
هل يفيد الاستمرار في تأجيل الحرب الأهلية في لبنان طالما استمر حزب السيد حسن في تعنته واستعلائه على اخوته اللبنانيين وتعطيله لنمط التوافق الذي كانوا عليه منذ عشرات السنين؟
ألم يكن من الأفضل للبنانيين الوقوف في وجه الخطاب اللاهوتي لحزب السيد حسن بعد سنة 2000 حتى وإن وصل بهم الأمر إلى حد الحرب الأهلية؟
أليست الحرب الأهلية بين فرقاء محدودي القوة أفضل من تعرض بلد ضعيف كلبنان لهجوم إسرائيلي موسع في الصيف الماضي وبدعم دولي؟
إذا كانت استباحة دولة لأخرى في بداية القرن الواحد والعشرين ولأكثر من شهر برا وبحرا وجوا تعني النصر للمستباح فما معنى الهزيمة؟
هل كان ابن منظور غبيا إلى درجة تحمله على التغافل عن صياغة المعاني الحقيقية للهزيمة وللنصر؟
هل مازال الله يبعث الأنبياء والرسل في أيامنا هذه حتى يحدثنا بعضهم بخطاب لا يحترم عقولنا ولا يعطينا فرصة التفكير في غير قبوله؟
أي منقلب تنقلب الأمة العربية والإسلامية إذا استمرت سذاجتها بمثل الحدود التي تسمح بتسويق خطابات لا يقبلها لا العقل ولا المنطق؟
زيني محمد الأمين عبّاس
22 جانفي 2007