مايو 12, 2013
الفوضى الخلاقة أم الفوضى الحصانة؟
بات من شبه الأكيد بالنسبة لمن يتمتع بمستوى متبصّر ومنهج نقدي موضوعي أن بعض المصطلحات التي تطرح وتتداول في البداية في أوساط المحللين والمثقفين قبل أن تسري كالنار في الهشيم على المنابر الإعلامية ومنها على رأس كل لسان وتصبح ذات دلالة راسخة في الوعي وفي اللاوعي الجمعي للحد الذي لم يعد من المتاح انتقادها ناهيك عن التشكيك في سلامة مضامينها أو دلالاتها، مصطلحات كذب يراد لها أن تتنزل منزلة الصدق.
والسر غالبا ما يكون لما لها من صلة التأسيس على أرضية خلل بنيوي ذاتي في وجداننا العربي المسلم قوامه انحصار كل جهود ومساعي تلمّس مناهج الفكر والسياسة في الحقل الذاتي الخاص جدا والمتمثل في مقومات الهوية وركائزها (العروبة والإسلام) مما يولّد نوعا من الانغلاق والتقوقع بموجبه تصبح عناوين العداء والصراع والكراهية مرجعا لا يرقى لمستواه الشك أو التشكيك وضامنا لانخراط الملايين وتصفيفهم خلف الأطروحات والأفكار حتى ولو كانت غير ذات قيمة علمية تستحق الذكر.
اسم أمريكا وإسرائيل والغرب والمسيحية …..أسماء بائعة لمبتذل الأفكار إذ يكفي أن يكون النقد أو إرادة الفضح مستهدفة عنوانا من هذه العناوين حتى تكون الحصانة مسلمة والتصفيف مطلق. وفي هذا الإطار يتنزل بالنسبة لي النقاش حول مصطلح الفوضى الخلاقة الذي يروّج له عند الحديث عن مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بكومة موروث تاريخ الصراع فيه وحوله وما ينسج حولها من نظريات المؤامرة والتآمر لتغطية إخفاق مجتمعاتنا ومنزلقات الحضارة التي نتخبط في ظلامها الدامس منذ عقود.
وعلى سبيل المثال لا الحصر أشير إلى أنني كنت وما زلت الوحيد من بين جميع الكتاب والمثقفين الذي طرحت – في إطار نقد مصطلح “الفوضى الخلاقة” فكرة خبث منهج ومضمون الطرح الهادفان للتغطية على مصطلح مواز في الشكل والمضمون والأهداف مضاد في الاتجاه ألا وهو “الفوضى الحصانة” التي يتخذ النظامان السوري والإيراني منها منهجا لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بفشل مشروعها التوسعي في المنطقة الذي لا يزال قائما منذ 1990 وتجنّب ما لا محيد عنه من شموليته لكل من النظامين ومجريات الأحداث تؤكد ذلك بالاستهداف وحتى بالاحتلال المستقبلي.
منهج الفوضى الحصانة هو الذي بموجبه استبيحت أرواح الملايين في العراق وفي لبنان وفلسطين في عبثية حضارية مقززة بموجبها يتم التخطيط والتدبير رسميا لاستباحة أرواح من لا علاقة ولا معرفة للمخطط بهم ولا نزاع بينه وبينهم ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا في وقت ما في مكان اختاره بالسبق أو بالصدفة ليجعل منه مسرحا للدمار والخراب وموضوعا للتداول الإعلامي والنقل المباشر. ولنا في مفخخات العراق المتعاقبة منذ أكثر من عقد من الزمان أكبر دليل ومثال وفي استباحة نظام بشّار أرواح أحرار لبنان مثال آخر ناهيك عن انتحاريي حماس والجهاد أو حتى إرهابيي لندن وماراتون بوستن مؤخرا.
الفوضى الحصانة إذن هي المصطلح الأقرب موضوعيا لتفسير عبثية زهق أرواح العراقيين واللبنانيين وحتى السوريين أنفسهم اليوم الذين يسعى نظام بشار منذ أكثر من سنتين إلى أن يحمي كرسيه بالإيغال في دمائهم بالأسلحة التقليدية والمحظورة على حد سواء وخلفها يحتمي كي يثبت للعالم ما بات معروفا من سذاجة فكر الدكتاتورية التي لا تتقن غير ابتذال دلالة المثل القائل “إما أنا وإما من بعدي الطوفان”.
بشار أيضا ودائما – وعلى ما يبدو – يراوح بين دماء العراقيين من جديد وبين دماء الأتراك علّ فوضى التفخيخ هناك تقنع السلطات التركية بالكف عن المطالبة بما تطالب به منذ اليوم الأول من ضرورة تنحي بشّار لحل أزمة الشعب السوري.
زيني محمد الأمين عبّاس
12 مايو 2013