مارس 12, 2007
الديمقراطية الموريتانية : اقتراح ضوابط الترشح للرئاسة
أما وقد هدأت ساحة أول معركة انتخابية للرئاسية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية بعد انتهاء الدور الأول وبدأ كل يعدّ نفسه لخوض غمار السباق النهائي إلى كرسي الرئاسة وبشهادة الجميع أنه سيكون هذه المرة رئيسا يستحق بالفعل هذه التسمية في تاريخ البلاد، بدأت بعض عيوب النصوص المنظمة تظهر للعيان مما يستوجب التفكير بجدية في وضع جملة من الضوابط التي من شأنها تمتين البناء قبل أن يتعالى الصرح بنواقص في الأساس قد تجعله ينهار مستقبلا.
أبرز عيوب النصوص بدت نتيجتها في التباين الواضح من خلال النتائج بين المرشحين إذ من بين عشرين مرشحا انحصرت أصوات الناخبين بين ستة فقط تحصل كل واحد منهم على نسبة ذات دلالة مقبولة بينما برز أن عدم ترشّح الأربعة عشر الباقين كان أفضل من ترشحهم خاصة أن تسعة منهم لم يتمكنوا من بلوغ حتى سقف نسبة الواحد في المائة.
وهذا يطرح تساؤلات من مسؤولية السلطة التشريعية البحث لها عن إجابات شافية في أقرب الآجال، وأبرز هذه التساؤلات هي :
هل من المجديّ أن نسمح لمن يرغب في طلب الموريتانيين ثقتهم لاستحقاق الرئاسة الفرصة في ذلك دون أن تكون له حظوظ مسبقة تبرّر صرف الأموال العمومية كي يبرز اسمه على ورقة الاقتراع بين المرشحين؟
هل يجب أن تقتصر ضوابط الترشح القانونية على مجرّد الهوية والرغبة الشخصية في الترشح؟
أليس من الجدير بالمشرعين حماية ثقة الشعب الموريتاني من كل طامع مجرّد من فكر تبرز فيه سمات الجدية في طرح برنامج واضح يصلح ليتوسّم الناخب الموريتاني في صاحبه القدرة على تحمّل المسؤولية؟
كيف نلوم السلطات السمعية البصرية ذات الطابع الإداري على عدم إتاحة الفرص المتكافئة لجميع المرشحين للرئاسيات الماضية في الوقت الذي لا تتوفّر القدرة على ملء الوقت المتاح عند بعض هؤلاء؟
ألم يكن من الممكن تجنيب الموريتانيين عناء التوجه ثانية لصناديق الاقتراع لو كان عدد المرشحين محدودا أو على الأقل أن يتوجهوا إليها بفكرة واضحة عن المرشح الذي سيختارونه خاصة في ظل غياب الدعاية بين الشوطين؟
للمساهمة في التفكير بحثا عن إجابة عن هذه التساؤلات أودّ طرح بعض الأفكار التي من شأنها حمل المشرعين على تلافي نواقص هذه التجربة الفتية علّ ذلك يمتّن توازنها على راحلة الزمن في جو العواصف الصحراوية العاتية.
من هذه الأفكار مثلا طرح مشروع قرار للتصويت في المجلس التشريعي لوضع شروط إضافية للترشح للرئاسة من هذه الشروط مثلا ضرورة أن يودع أي مرشّح لدى الخزينة العامة مبلغا ماليا يتم تحديد قدره بالدراسة كضمان أو رهان على حجم الثقة التي يتوسمها في نفسه أو تتوسمها فيه المجموعة التي تدعمه حتى يبرّر أو تبرّر المجموعة تقديم ترشحه. وهذا المبلغ إما أن يكون من ماله الخاص إن كان ثريا مع وجوب احتفاظ الخزينة بحقّ التحقيق في مصدر ذلك الثراء وسلامته من أي حقوق للمجموعة كالضرائب مثلا أو يقوم بجمعه من المناصرين وفق آليات تعدها الخزينة العامة وتضعها تحت تصرّف الجميع وهذا المبلغ يسترجع لصاحبه أو لكل فرد من المساهمين بعد الاقتراع بشرط أن يتحصّل المرشح على نسبة لا تقلّ عن خمسة في المائة من الأصوات المعبّر عنها.
منها كذلك إلزام المترشحين قانونا بملء المساحة المجانية التي تخصصها لهم وسائل الإعلام العمومية بمادة ثرية من البرنامج الانتخابي الذي يسعون به لكسب ثقة الشعب لا بصور ثابتة للمترشّح أو كليبات دعائية مكرّرة، وذلك لتجنّب الحرج الذي تصبح فيه وسائل الإعلام من النعوت الغامزة بالانحياز لهذا المرشح أو ذاك مع ضرورة إفساح المجال لوسائل الإعلام تلك بالتحصيل المادي من الدعاية بمقابل خارج الحصص المجانية لتستفيد هي ويستفيد كل مرشّح حسب قدرته واستعداده للإنفاق لنيل ثقة الناخب.
فكرة أخرى لا تقلّ أهمية عن سابقاتها تتمثل في ضرورة رفع الحواجز القانونية عن الدعاية بين الشوطين لكي لا تكون التكتلات في الكواليس والابتعاد عن المتاجرة بأصوات الناخبين، بل ولتمكين الناخب الذي اختار التصويت في الدور الأول لمرشح لم يتجاوز إلى الدور الثاني من آليات تمكنه من الاختيار لا أن يترك لحاله يبحث في ذاكرته عن مبررات اختيار جديدة في برنامج مرشّح من بين اثنين لم يكن بالضرورة مهتما بهما في الشوط الأول. وإلزام المرشحين للدور الثاني بمواجهة تلفزيونية لتسهيل مقارنة البرامج وإنارة الناخب على اختيار المرشح الأفضل لمستقبل البلاد.
إن الضرورة لمثل هذه الأفكار باتت ملحة في ظلّ الوضع القائم والمتمثل في شكل ديمقراطي جدير بالاحترام والتقدير، وبشهادة جميع المراقبين وخريطة سياسية غير قادرة ملامحها على مواكبة التطورات الحاصلة على مستوى التغيير السياسي في البلاد.
فالخريطة السياسية في موريتانيا تحتاج إلى إعادة تشكيل بما يخلق تكتلات سياسية تقوم على رؤى واضحة ومتميز بعضها عن بعض لإثراء المشهد السياسي وتمكين الناخب من الاختيار وفق ما يعلّقه من آمال على من يقدّم برنامجا سياسيا واضحا بعيدا كل البعد عن المعايير التي ظلّت سائدة منذ الاستقلال حتى الآن والمتمثلة في القبلية والجهوية والنزعات العنصرية………
تلك المعايير التي يجب أن لا تعاب لذاتها وإنما العيب في أن تؤخذ بعين الاعتبار على المستوى الأوسع والذي يشكل مظلّة الجميع على اختلاف الانتماءات العنصرية والقبلية والرؤى السياسية، ذلك المستوى الذي تمثله الدولة.
فمن الخطأ – حسب اعتقادي – محاربة القبلية مثلا لمجرّد فكرة القبلية وإنما الذي يجب أن يشكّل الوعي به حصنا منيعا من الاعتبارات القبلية والجهوية والعنصرية هو ضرورة وضعها في إطارها الاجتماعي كميزة من مميزات التركيبة الاجتماعية والاعتزاز بها وتجاوزها في ذلك الإطار دون أن يمتدّ ثقل تأثيرها إلى أن يشمل مؤسسات الدولة والمعاملات التي تتم ضرورة وحتما فيها وفق ما يقتضيه القانون والقانون وحده.
فلا عيب إن تمّت معالجة مشاكل مجموعة قبلية معينة في إطار الوجاهة وروابط الدم، كما لا عيب كذلك إن قام أبناء جهة من الجهات أو مدينة من المدن بتشكيل جمعيات للنهوض بجهتهم أو مدينتهم وفق ما يملكونه من مقدرات ذاتية وجهود فكرية وعقلانية ولكن العيب كله والخطر المحدق أن يتم ذلك بمقدرات وممتلكات المجموعة الوطنية على حساب الجميع وأن يتم باستغلال النفوذ وخيانة المسؤولية التي وضعها القانون على عاتق أفراد تلك المجموعة كل من موقعه وحجم المسؤولية المناط به للصالح العام.
زيني محمد الأمين عبّاس
12 مارس 2007