نوفمبر 4, 2023

وزراء الخارجة العرب في مواجهة بلينكن في عمّان أو دبلوماسية الطرشان

By زيني محمد الأمين عباس

من تابع المؤتمر الصحفي الذي عقب اجتماع وزراء خارجية بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن والسعودية من جهة  ووزير الخارجية الأمريكي من جهة ثانية حول الأحداث الجارية في غزة يدرك المعنى الحقيقي لحوار الطرشان.

وزراء الخارجية العرب جاؤوا جميعهم على أمل الحصول على قرار بوقف “العدوان” على غزة أو هدنة إنسانية طويلة الأمد بما يعنيه ذلك عندهم من إدخال المساعدات الغذائية والوقود بشكل خاص وكل خطاباتهم تتمحور حول وحشية القصف وقتل المدنيين نساء، شيوخا وأطفالا وتدمير المنازل واستهداف حتى المدارس والمستشفيات…..

خطاب مجتر على كل الألسن العربية دون استثناء ولا ذكر مطلقا لأي دور لمسؤولية حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المسلحة على ما يعانيه شعب غزة. وبعيدة كل الدبلوماسيات العربية مما تتطلع إليه الدبلوماسية الأمريكية من تنديد أو استنكار لما تقوم به هذه التنظيمات من أعمال حربية تجر الوبال على المدنيين العزل في قطاع غزة.

وفي المقابل لا يخرج خطاب وزير الخارجية الأمريكي عن معتاد التذكير بوحشية ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر في مستوطنات غلاف غزة من غزو بالتهليل والتكبير وقتل للمدنيين والعسكريين على حد سواء ووعد بتحرير كامل فلسطين وقتل اليهود والمستوطنين أو تهجيرهم مذكرا بالدعم اللامشروط للولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها حتى وإن كان ما تقوم به على أرض الواقع أبعد بكثير من مجرد الدفاع عن النفس.

كل ينظر للمسألة بالمنظار الذي يريد حتى وإن اختلفت المصداقيات : فالولايات المتحدة تعبر بصدق عن مواقفها والتزاماتها تجاه إسرائيل ولا تكاد تذكر مآسي المدنيين الغزاويين إلا لتذكر بمسؤولية حماس المطلقة عن ما تجلب عليهم من غضب إسرائيل وآليتها الحربية. والشك كله يعتري صدق مواقف وزراء الخارجية العرب الذين لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقروا بمشروعية ما تقوم به حماس ولا بمرجعيتها الإيرانية  في ذلك  غير أنهم لا يملكون، في مثل الظروف وأمام مشاهد الدمار والخراب وأشلاء الأطفال والنساء التي تبثها المنابر الإعلامية على مدار الساعة، إلا اتخاذ المواقف التي يتخذون والمطالبة بما يطالبون به من وقف لإطلاق النار.

وبالعودة لأساس المسألة وأطوارها يمكن القول إن إخفاق الدبلوماسيات العربية في الموقف جلي : إذ لا تستطيع أي منها أن تبني موقفا منطقيا على حقيقة أن حماس لم تستشرها في اتخاذ القرار بالهجوم على مستوطنات إسرائيل ولا حتى تقيم لنصحها أو توجيهاتها وزنا يذكر أمام ما ترتهن به هذه الحركة لنظام ملالي طهران. كما أنها لا تستطيع الذهاب لأبعد من التنديد بما يجري وإن خرجت عن لغة التنديد تكرر مواقفها برفض التهجير أو إعادة التوطين.

صحيح أن مشاهد المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة مقززة ومحرجة لكن الأكثر حرجا منها هو اعتقاد بلد ما أنه بإمكانه وبمجرد التنديد إثناء دولة ذات قرار سيادي أعلنت حربا عقب مصاب أصابها في الصميم أن توقف عملياتها العسكرية دون ضمان أن لا تترك مقومات تكرار نفس المصاب.

حماس تتحمل مسؤولية كل ما يجري في غزة منذ انقلابها على السلطة الفلسطينية سنة 2007 وحتى اليوم وكان على الدبلوماسيات العربية أن لا تترك الأمر يبلغ الحد الذي تستطيع معه طهران أن تجعل من غزة برميل بارود في خاصرة المنطقة عموما وشوكة حلق إسرائيل بشكل خاص.

يدرك كل العقلاء والعرب منهم خاصة أن ما تمتلكه حماس في غزة أو حزب الملالي في لبنان لا يمكن أن يرقى إلى مستوى فرض توازن رعب مع آلة إسرائيل الحربية ومن ورائها حليفتها واشنطن والغرب عموما وأن مبلغ ما يمكن أن يقوم به كل وكلاء طهران هو اشعال نار الحرب مع إسرائيل بخيار موالي نعمتهم والغبي في المطلق هو من يشعل الحرب دون امتلاك مقومات الانتصار فيها عسكريا.

الفلسطينيون ليسوا بحاجة لقوة السلاح من أجل إثبات حقهم في العيش على جزء من أرض فلسطين التاريخية ومقومات كل ذلك قائمة (الأرض مقابل السلام، وحدود الرابع من حزيران 1967، وحل الدولتين…) وعسكرة الصراع لا تخدم عمليا إلا إسرائيل التي تبقي الغرب كله في صفها بتسويق مساعي العرب للقضاء على كل اليهود وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر…

واليوم لم يعد من المتاح لوقف هذه الحرب وما تدور به ساعاتها من مآسي في غزة وأهلها إلا الإجماع العربي على أن خطأ عسكرة الصراع العربي الإسرائيلي يجب أن يتم التراجع عنه والذهاب بجدية لسلام حقيقي يبدأ بنزع سلاح التنظيمات الفلسطينية وأولها حماس التي يجب أن تعلن إلقاءها للسلاح واستسلام كل قادتها العسكريين والسياسيين كي تتوقف الحرب بدلا من ما يزالون عليه من مشاهد العربدة الإعلامية والوعود الزائفة بالنصر الوهمي ومزيد المزايدة على الشعب الفلسطيني والعرب على حد سواء.

زيني محمد الأمين عبّاس

04 نوفمبر 2023